متعثر في دراسته .. يتوقف أمام مشكلات معقّدة لا يستطيع أن يحلّها.. فقط ينتظر الأمل، ولكنه لا يأتي!!
تضيق عليه أسباب الرزق.. راتبه لا يكفي حاجاته.. يصاحبه الهم ويلازمه الغم.. فقط ينتظر الأمل والفرج وفرص العمل، ولكنها لا يأتي!!
ساءت علاقتها بزوجها .. لا تتقن تربية أولادها.. تدعو الله أن يصلح أحوال البيت.. فقط تنتظر الأمل، ولكنه لا يأتي!!
من يصنع الأمل ليس كمن ينتظره
يضيق ذرعا بالآلام التي تصيب أمته وإخوانه من حوله.. ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئا.. فقط ينتظر الأمل، ولكنه لا يأتي!!
متعثر في دراسته .. يتوقف أمام مشكلات معقّدة لا يستطيع أن يحلّها.. فقط ينتظر الأمل، ولكنه لا يأتي!!
تضيق عليه أسباب الرزق.. راتبه لا يكفي حاجاته.. يصاحبه الهم ويلازمه الغم.. فقط ينتظر الأمل والفرج وفرص العمل، ولكنها لا يأتي!!
ساءت علاقتها بزوجها .. لا تتقن تربية أولادها.. تدعو الله أن يصلح أحوال البيت.. فقط تنتظر الأمل، ولكنه لا يأتي!!
قالوا: أن انتظار الفرج عبادة.. ونقل البعض أنه حديث.. والصحيح أنه يدور بين الضعف والبطلان والوضع والإنكار عند أهل الحديث.
إن كل آيات القرآن وجمهرة أحاديث السنة الصحيحة لا تدعو المسلم أبدا للقعود والركون إلى أمل قد لا يأتي، وانتظار فرج قد يطول انتظاره.
إنها تدعو المسلم ليعمل ويعمل فيصنع الأمل، ويحقق أسباب الفرج (وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ. وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ) هود: 121، 122.
وروى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t قال: كُنَّا في جَنَازَةٍ في بَقِيعِ الغَرْقَدِ، فأتَانَا رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَعَدَ وقَعَدْنَا حَوْلَهُ، ومعهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قالَ: ما مِنكُم مِن أحَدٍ وما مِن نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، وإلَّا قدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أوْ سَعِيدَةً. قالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أفَلَا نَتَّكِلُ علَى كِتَابِنَا ونَدَعُ العَمَلَ؟ فمَن كانَ مِنَّا مِن أهْلِ السَّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ إلى عَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، ومَن كانَ مِنَّا مِن أهْلِ الشَّقَاءِ، فَسَيَصِيرُ إلى عَمَلِ أهْلِ الشَّقَاوَةِ، قالَ: أمَّا أهْلُ السَّعَادَةِ فيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، وأَمَّا أهْلُ الشَّقَاوَةِ فيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقَاءِ. ثُمَّ قَرَأَ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) [الليل: 5، 6] الآيَةَ. رواه البخاري في صحيحه. وعند ابن ماجة (قِيلَ يا رسولَ اللَّهِ: أفلا نتَّكِلُ، قالَ: لا.. اعملوا ولا تتَّكِلوا فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلقَ له) صححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
وكم مرّت دعوة النبي ﷺ بمحن ومصاعب، فلم يقابلها ﷺ وأصحابه الكرام إلا بعمل مضنٍ وجهاد طويل وصبر جميل، فصنعوا بأيديهم الأمل، وأتاهم الفرج من الله العليّ القدير.
ولو ركن أهل الإسلام إلى أن انتظار الفرج عبادة، ما تهيّأت الأسباب يوما لانتصار الإسلام، وعلوّ ذكره في العالمين.
إن العبد الذي يسرف على نفسه في المعاصي ليس علاجه أن تذكّره بسعة رحمة الله وانتظاره لعبده حتى يعود إليه. إنما يفلح هذا التذكير مع نادم عائد قام بعمل قلبي أو بدني من أجل التوبة من ذنوبه، ولذا كان قول المفسرين حاسما في قول الله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، قال الطبري: اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بهذه الآية, فقال بعضهم: عني بها قوم من أهل الشرك, قالوا لما دعوا إلى الإيمان بالله: كيف نؤمن وقد أشركنا وزنينا, وقتلنا النفس التي حرّم الله, والله يعد فاعل ذلك النار, فما ينفعنا مع ما قد سلف منا الإيمان, فنـزلت هذه الآية.
وقال آخرون: بل عني بذلك أهل الإسلام, وقالوا: تأويل الكلام: إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء, قالوا: وهي كذلك في مصحف عبد الله, وقالوا: إنما نـزلت هذه الآية في قوم صدّهم المشركون عن الهجرة وفتنوهم, فأشفقوا أن لا يكون لهم توبة. وقال آخرون: نـزل ذلك في قوم كانوا يرون أهل الكبائر من أهل النار, فأعلمهم الله بذلك أنه يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء. ويضيف الطبري: فإن قال قائل: فيغفر الله الشرك؟ قيل: نعم إذا تاب منه المشرك. وإنما عنى بقوله (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) لمن يشاء.
فالحديث عن الأمل والعفو وسعة الرحمة الإلهية لا يكون إلا مع العمل والتوبة الجادة النصوح بشروطها وأركانها. ويأتينا الدليل الآخر من سورة الفرقان عقب حديث القرآن عن قوم من المشركين أشركوا بالله وقتلوا وزنوا فكان جزاؤهم: (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا).
توكل لا تواكل: إن مقتضى التوكل على الله سبحانه والرجاء فيه والأمل فيما عنده أن يعمل الإنسان لذلك، وأن يصنع أمله بجهده وكدّه، فإن بلغ أمنيته فيها ونعمت، وإن أدركه الموت فأجره موكول إلى نيته.
روى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: كان أهل اليمن يحجّون ولا يتزوّدون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) البقرة: 197. رواه البخاري.
ويبدو أن هذا الفهم الخاطيء قد استمرّ عند هؤلاء الناس حتى زمان الخليفة عمر رضي الله عنه، فقد ذكر الحافظ ابن رجب في كتابه (جامع العلوم والحكم)، عن معاوية بن قرة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي ناسًا من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. فقال: بل أنتم المتَّكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبة في الأرض، ويتوكل على الله.
لقد أدرك هؤلاء القوم جزءاً من معنى التوكّل، وهو: الاعتماد على الله سبحانه وتعالى اعتمادًا صادقًا في مصالح الدين والدنيا، وتفويض جميعِ الأمورِ إليه والاستعانةِ به، كما قال سبحانه وتعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة:51، وقال سبحانه: (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) هود:123، وغيرِها من الآيات، وأما الجزء الذي أغفلوه ولم يُدركوا أهميّته: فهو ضرورةُ فعل الأسباب المأذون فيها شرعاً، وأن إتيان هذه الأسباب ومباشرتِها هو جزءٌ أصيلٌ من مفهوم التوكّل لا يصحُّ إلا به.
ذلك أن الله سبحانه وتعالى حين خلق هذا الكون، وضع له سنناً تنظّم سيرَه، وهي سننٌ كونيّةٌ ثابتةٌ لا تتغيّرٌ ولا تتبدّل، ومن بينها: الربط بين الأسباب ومسبّباتها، فقد جعل الله لكل شيءٍ سبباً، فلا ولد من غيرِ زواج، ولا حصادَ من غير بذرٍ وزراعة، ولا نجاحَ من غير جدٍّ واجتهادٍ ومثابرة.
ولقد وضع علماء العقيدة قاعدةً مهمّةً ينبغي لمن أراد أن يحقّق التوكّل أن يلتزم بها، وهي: الالتفات إلى الأسباب شركٌ في التوحيد، ومحو الأسباب نقصٌ في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكليّةِ قدْحٌ في الشرع.
تلك هي الحقيقةُ التي لم يستوعبْها أولئك الحجّاج، إذْ ظنّوا أن تحقيق التوكّل على الله وصدق الاعتمادِ عليه يقتضي أن يُعرضوا عن الأخذ بالأسباب باعتبارِ أنها نوعُ التفاتٍ نحو أمورٍ دنيويّة تتنافى وتتصادم مع الثقة بمن بيدِه الأمر كلّه، وهذا غير صحيح، كما قال الحافظ ابن رجب: واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدّر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها، وجرت سنّته في خلقه بذلك؛ فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمرِه بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارحِ طاعةٌ له، والتوكّل بالقلبِ عليه إيمانٌ به.
لقد كان سيّد المتوكّلين محمد صلى الله عليه وسلم يأخذ الزاد في السفر، ويوم الهجرة اختفى في الغار كي يتخفّى عن عيون أعدائه، ولما خرج من الغارِ إلى المدينة أخذ من يدلّه الطريق، ويوم أحد لبس درعين اثنين، ولم يستند على توكّله فحسب، وعندما دخل عليه الصلاة والسلام مكّة فاتحاً، كان يلبس البيضة على رأسه وهي خوذة الرأس بالرغم من عصمة الله له ودفاعِه عنه: {والله يعصمك من الناس} المائدة:67.
وإن ما يحققه المسلمون اليوم، وخاصة أهل الرباط في فلسطين، من مقاومة ومراغمة للأعداء وعمل جهادي جاد هو السبب في تأييد الله لهم وإرغامه لعدوهم وتراكم قوتهم يوما بعد يوم حتى موعد التحرير بإذن الله.
وما أجمل ما أُثر عن الحسن البصري أنه قال: ليس الإيمان بالتمنِّي، ولكن ما وقَر في القلب وصدّقه العمل، وإن قومًا خرجوا من الدُّنيا ولا عمل لهم وقالوا: نحن نحسن الظَّنَّ بالله وكَذَبُوا، لو أحسنوا الظَّنّ لأحسنوا العمل.
إن الأمل يُصنع على طريق العمل والكفاح، وليس من الإسلام في شيء أن ينتظره المتواكلون ومن لا يعملون.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *