الزمن: الخميس 6 رمضان 1443
المكان: شارع ديزنغوف – تل الربيع (تل أبيب سابقا)
إنه الشعب الذي لا يقبل الضيم، ولا يعرف الراحة، ولا يتوقف عن المقاومة، ولا يفقد الأمل..
إن تألمت غزة، ثارت الضفة.. إن قمع العدو الضفة.. قام الداخل.. إن ضغطوا على الداخل انتفضت غزة.. إنه البركان الثائر الذي يقبض على الجمر ينتظر وعد الله.
في التاسعة، مساءَ الليلة السابعة من ليالي رمضان المبارك 1443هـ، كان شارع ديزنغوف بمدينة تل الربيع المحتلّة (تل أبيب كما يقول الصهاينة) على موعد مع صاعقة جديدة من صاعقات بطل من أبطال جنين.. السايبر، كما يلقبونه لقدراته العالية في إصلاح عيوب الانترنت، البطل رعد فتحي خازم.
ولمن لا يعرف شارع ديزنغوف، فهو أحد الشوارع الرئيسية في تل الربيع، وسمي نسبة للهالكة مائير ديزنغوف أول رئيس لبلدية المدينة. يوصف الشارع بأنه شانزليزيه تل أبيب، ويضم أرقى المحلات التجارية والمقاهي في المدينة.
أفطر رعد مع عائلته في مخيم جنين.. ثم انطلق إلى ديزنغوف، ولا يدري أحد حتى اليوم كيف انطلق؟ ومن ساعده؟ وكيف وصل؟.. وقف الشاب العشريني أمام المقهى وبعض المحال التجارية في شارع ديزنغوف كغيره من المارة والواقفين، ودون سابق إنذار أخرج سلاحه وفتح النيران على المحتلّين الذين ظنّوا أن آلة الحرب الصهيونية سوف تنسي شباب فلسطين أرضهم وشوارعهم.
هكذا بدأت ليلة الرعب السوداء..
بعد دقائق كانت الحصيلة ثلاثة قتلى وأربعة عشر جريحا جراح بعضهم خطيرة، ودب الرعب والفزع في أوصال المدينة المحتلّة… لا تنقل قنوات التلفزة سوى هرولة المحتلين نحو أماكن آمنة في أرض لن يكون لهم أمان فيها… أغلقت المحالّ والمقاهي خوفا من ظهور البطل في مكان جديد..
يدهشنا البطل رعد بثباته.. ترصده كاميرات المراقبة وهو ينسحب بهدوء تام، ويجلس على كرسي على مقربة من مسرح العملية البطولية لدقائق.. ثم يختفي عن الأنظار.
تم استدعاء 1000 جندي من فرق النخبة (هكذا يسمونها!!!) المذعورة، وجرت مطاردة واسعة.. ظن المحتلّون أن الشاب العشريني يبحث عن الفرار، وهو في الحقيقة يتخطى حواجزهم الأمنية حاجزا تلو الآخر حتى يصل إلى عروس البحر (يافا) ليسلم على شوارعها وأزقتها، ويصلي الفجر في مسجدها العامر.. ثم يجلس ينتظر عدوّه الذي يبحث عن نصر زائف..
ظلت قوات النخبة الصهيونية ثماني ساعات كاملة تبحث عن الغريب حتى دلّتهم كاميرات المراقبة على وصوله يافا، ليلقى الله شهيدا عقب صلاة فجر أول جمعة من رمضان..
ضغط رعد على جراح فشلهم، وأثبت أن لا أحد يقف في وجه عشاق الشهادة وابطال الصمود على أرض فلسطين.. لا أحد يعرف حتى اللحظة كيف خرج رعد من منزله بمخيم جنين شمال الضفة الغربية حتى وصل إلى شارع ديزنغوف، أو شارع العمليات الاستشهادية كما سمّاه أبطال المقاومة بعملياتهم الفدائية، والتي كان رعد صاحب التوقيع الأخير، وليس الآخر بإذن الله.
لم يصدق أحد أن شابا فلسطينيا يستطيع الوصول إلى أكبر شوارع تل الربيع بعد 12 يوما من عملية الشهيد ضياء حمارشة البطولية، وفي ظل إجراءات أمنية مشددة، وتفتيش دقيق لكل قادم..
ولا يصدق أحد ان شابا فلسطينيا انتقل بعد تنفيذ عمليته البطولية من تل الربيع إلى يافا سيرا على الأقدام وكأنه ينتقل من بيت أبيه إلى بيت عمه داخل مخيم جنين..
وما أجمل كلمات والد الشهيد رعد في الجموع الحاضرة أمام منزله: لا نتهاون ولا نتخاذل بنصرة ديننا ونصرة وطننا، جاهدتم وقدمتم وصببتم دماءكم صبا حتى رويتم تراب هذا المخيم بالدماء وخضبتم أرضنا بالشهداء.. سترون النصر في أيامكم المقبلة.
إن الأمل ينبعث في الأمة كلها من أرض الرباط.. فلسطين المباركة.. لينادي في الأمة: في سبيل دينكم قاوموا واثبتوا.. فنحن أمة في سبيل دينها لا تعرف المستحيل..
وليبكِ الصهاينة دما على جيلٍ بذلوا في سبيل تركيعه وتمييعه ومحو وعيه بعيدا عن هويته وقضايا أمته، فما وجدوا فيه إلا الصمود والمقاومة والبطولة..
سلام على رعد وإخوانه في الخالدين..
وقريبا ترفرف رايات النصر على أرض فلسطين. ()
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *