فإن العالم الإسلامي اليوم يمر بفترة من أحلك فترات تاريخه، رغم ما يمتلك من مقوّمات وثروات بشرية ومادية،
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين وبعد..
فإن العالم الإسلامي اليوم يمر بفترة من أحلك فترات تاريخه، رغم ما يمتلك من مقوّمات وثروات بشرية ومادية، ورغم ما وهبه الله من دين عظيم يمكن، إذا صح الالتزام به، أن يفجّر الطاقات ويحل المعضلات ويصنع للأمة المسلمة الفردوس الأرضي إلى جانب رضوان الله تعالى عليها (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل: 97.
إلا أن المسلمين اليوم قد تجمّعت عليهم الأمم وتداعى عليهم أعداؤهم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فأفسدوا فيها الكثير، وأصبحت أدوات التوجيه السياسية والإعلامية والتعليمية، بل ووزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية، في أيدي من يحاربون الإسلام، ويريدونه دينا خاملا في الصوامع والمحاريب، ولا أثر له في دنيا الناس.
إن من أخص خصائص المسلم في هذا الوقت هو إشاعة الأمل في النفوس البائسة لتوقن أن سبب مشكلاتها ليس في الدين، بل في الإعراض عنه، ولتوقن أن الأعداء لن يتوقفوا عن محاربة أهل الإسلام ليلا ونهارا حتى يردوا المسلمين عن دينهم (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) البقرة: 217.
ولا بد من إشاعة الأمل من أجل اليقين في موعود الله (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الصف: 8، 9. (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور: 55
ولا بد من إشاعة الأمل من أجل تصديق بشرى رسول الله ﷺ: (لَيَبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ، ولا يَترُكُ اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخَلَه اللهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عزيزٍ، يُعَزُّ به الإسلامُ، وبذُلِّ ذليلٍ يُذَلُّ به الكُفرُ.) رواه ابن حبان وإسناده صحيح
ولقد مرّت على الأمة محن وأزمات تهد أعظم الأمم وتشل أقوى الحضارات، فقيّض الله لدينه رجالا وأتباعا، فواجهوا الظلم ودحروا الكيد، وأعاد الله بهم للإسلام مجده وعزته، وما أمر هجوم التتار والصليبيين على المشرق الإسلامي وحاضرة الخلافة وبيت المقدس عنا ببعيد.
وإننا إذا قارنّا أحوال الأمة اليوم بما كانت عليه قبل خمسين أو مائة عام، لأدركنا أنها رغم الآلام في صعود، وأن قناعة الأجيال الجديدة بصلاحية هذا الدين لتسيير دفة الحياة تزداد كل يوم رغم ما تفعله آلة القتل والدمار في هذا الجيل لتصرفه عن دينه، ورغم ما يتعرض له الدين من تشويه من أجل صرف المسلمين عنه.
لقد أفلست كل الحلول المستوردة، وما جنينا من ورائها إلا تخلّفا وفقرا وتبعية حتى وقعنا في ذيل الأمم، وما الحملة الحالية على ديننا عبر الانقلابات والثورات المضادة لإجهاض كل أمل في التغيير إلا المخلب الأخير لعدوّ يفقد كل بهرجه وزخارفه ليشرق للإسلام فجر جديد.
وها هي الحرب تأكلهم وتلهيهم، وتأكل معهم كل الدمى التي صنعوها في بلادنا، وليعظم عند المؤمنين اليقين بأن الله معهم وناصرهم، وخاذل عدوهم وداحر كيد المعتدين.
يا أتباع محمد.. بثّوا الأمل في النفوس.. واعلموا بيقين أن نصر الله قريب، وأن فجر الإسلام في تلك العتمة على وشك البزوغ.
ولا تقولوا هلكنا وضعنا وتخلفنا، فمن قال هلك الناس، فهو أهلكَهم (أي تسبب في هلاكهم) أو أهلكُهم (أي أكثرهم هلاكا) كما جاء في الحديث.
ومن الواجبات العملية لبث الأمل في النفوس ما يلي:
- قراءة كتاب المبشرات بانتصار الإسلام للشيخ القرضاوي رحمه الله، ففيه مبشرات عظيمة من القرآن والسنة والتاريخ والواقع.. اقرؤوه في بيوتكم وعلى أبنائكم وبناتكم وأصحابكم حتى تشيع ثقافة الأمل بيننا.
- اقرؤوا قصص انتصار الأمة بعد انكسار مثل غزوة أحد والأحزاب، وغزو التتار والصليبيين.. اقرؤوا ذلك لتوقنوا أن مثل ما نحن فيه قد مر على أجيال الأمة فأنابت إلى ربها واستحضرت معيته ومنّ الله عليها بالنصر والتمكين.
- اقرؤوا في صلواتكم آيات الأمل وأحاديث، وبثوها في خطبكم وعلى منابركم، واجتمعوا تفسيرها وتدبر معانيها.
- انشروا كل ما فيه أمل وبشرى للأمة، مهما صغر، وفي أي مكان، فالقليل إلى القليل كثير، وتتابع القطرات يأتي بعده سيل هادر إن شاء الله.
- إياكم ودعوات التثبيط والتيئيس، فأمتنا تقدم من دمائها وجهودها تضحيات كبيرة في ميادين كثيرة، ولن يضيعها ربنا معز المؤمنين وناصر المستضعفين.
وما أجمل قول الإمام البنا رحمه الله: لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد، ولا زال في الوقت متسع، ولا زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم رغم طغيان مظاهر الفساد، والضعيف لا يظل ضعيفا طول حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) القصص: 5. ()
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *