إن الإسلام دين عالمي، يصنع للبشر طريقا نحو الرقي الفكري والأخلاقي، ويضع لهم القواعد العامة لحل مشكلاتهم، ولو اتبعته البشرية لهداها من حيرتها التي تعيشها اليوم، وأصلح لها الدنيا والآخرة.
الإسلام والوقاية من الأمراض
تسعى تعاليم الإسلام إلى إقامة الحياة الطيبة التي يرجوها كل إنسان (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل: 97.. ويتسع مفهوم العمل الصالح ليتجاوز العبادات والشعائر (كالصلاة والصيام) إلى كل عمل دنيوي يصلح الأرض ويعمرها ويبتغى به وجه الله كالزراعة والصناعة والطب والهندسة والعمارة والتعليم والمحاسبة وغيرها.. إنه دين ينتظم الكون كله، ويشمل مجالات الحياة كلّها.
والحياة الطيبة تعتبر سلامة الأبدان أحد محاورها، ولذا عدّ العلماء الطب وعلم الصحة من أعظم العلوم وأهمها بعد علوم الشريعة.
وإذا قمنا بنظرة فاحصة نجد أن الآيات الصريحة في هذا المجال أو التي يمكن استنباط ما يتعلق بالطب منها يبلغ عددها في الطب النفسي 130 آية، وفي وظائف الأعضاء 59 آية، وفي علم الأجنة 36 آية، وفي ما يخص النساء 21 آية، وفي العيون 10 آيات، وفي طب المجتمع 43 آية، وفي التشريح 19 آية، وفي الأنف والأذن والحنجرة 15 آية، وفي علم الوراثة 15 آية، وفي الطب الغذائي 18 آية، وفي العناية بالمريض 10 آيات، وفي الجلدية 9 آيات، وفي الطب العلاجي 8 آيات، وفي الجراحة 8 آيات، وفي الشيخوخة 6 آيات، والأطفال 5 آيات، وفي الطب الشرعي 4 آيات، فالمجموع النهائي لعدد الآيات التي تناولت هذه القضايا بصورة مفصلة، أو إجمالية، وبصورة واضحة، أو أنها يفهم منها هي 416 آية مع المكرر. (د. محمد جميل الحبال، ود. وميض العمري: الموضوعات الطبية في القرآن الكريم)
وهدي الإسلام في الوقاية من الأمراض هدي عظيم فريد، يضع للإنسانية القواعد الأساسية للسلامة البدنية والنفسية حتى تحيا الحياة الطيبة التي ترجوها على الأرض. وفيما يلي نذكر جملة من هدي الإسلام في مجال الوقاية من الأمراض:
- يحث الإسلام على صحة البيئة ونظافتها وجمالها، وفي الحديث: (إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ) رواه مسلم، (نَظِّفُوا أَفْنِيَتَكم ، ولا تَشَبَّهُوا باليهودِ ؛ تَجْمَعُ الْأَكْبَاءَ في دُورِها) رواه الترمذي، (اتَّقوا الملاعِنَ الثَّلاثةَ، البَرازَ في المواردِ، وقارِعةِ الطَّريقِ، والظِّلِّ) رواه ابو داوود.
- ويحث الإسلام على الالتزام بقواعد النظافة الشخصية(نظافة الأبدان)، فأثنى الله على المتطهرين (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة: 222، وجعل الشرط الأساسي لصحة الصلاة الوضوء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) المائدة: 6. ويجعل الإسلام النظافة من سنن الفطرة التي يثاب عليها الإنسان، (عن طلق بنِ حبيبٍ قالَ: عشرةٌ من السُّنَّةِ السواكُ، وقصُ الشاربِ، والمضمضةُ والاستنشاقُ، وتوفيرُ اللحيةِ، وقصُ الأظفارِ، ونتفُ الإبطِ، والختانُ، وحلقُ العانةِ، وغسلُ الدبرِ) رواه النسائي وصححه الألباني.
- وللمرء أن يتخيل أن شعوبا متقدمة لا تحرص على تلك القواعد البسيطة التي عدها الإسلام نسكا يوجب الثواب لفاعلها والعقاب لتاركها، ففي دراسة لمركز غالوب للأبحاث عام 2019 وبمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي كشفت الدراسة أن أغلب شعوب أوروبا الغربية لا تحرص على غسل الأيدي، وسجلت دولا مثل هولندا وأسبانيا نسبا متدنية، بينما كانت البوسنة المسلمة في المركز الأول، وهو ما يؤكد على تلك الميزة التي تتوفر للمسلمين.
- وكثيرة هي الدراسات التي تثبت أن هناك أنواعا مختلفة من البكتيريا المتطفلة الموجودة في فتحات الجسم المختلفة كالفم والأنف والأسنان وفتحة الشرج والأذنين، وان إهمال نظافة تلك الفتحات يتسبب في نمو تلك البكتيريا ومهاجمتها للجسم.. فسبحان من أرشدنا وجعل من تعاليم ديننا هذه القواعد.
- بل يوجه الإسلام أتباعه أمور بسيطة قد لا ينبته الإنسان إليها؛ فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه) رواه أبو داود، وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عطس غطى وجهه بيديه أو بثوبه وغض بها صوته. (رواه الترمذي وحسنه الأرنؤوط في تحقيق جامع الأصول). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه) رواه مسلم. ولا يخفى ما في تلك الأمور من منع انتقال العدوى التي تنتقل برذاذ الهواء أو باستنشاقها.
- ويضع الإسلام قواعد العزل والحجر الصحي بدءا من تطهير اليد اليمنى دائما، ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت يد رسول الله ﷺ اليمنى لطهوره وطعامه، واليسرى لخلائه وما كان من أذى) رواه أبو داود. ويمنع دخول المريض على الصحيح، ومخالطة المجذوم، وعدم دخول أرض الطاعون ولا الخروج منها. والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة.
- ويحرّم الإسلام منكرات تؤذي الصحة وتودي بحياة الإنسان مثل الزنا وشرب الخمر واحتساء السموم، وينهى عن كل ما يلحق الضرر بالإنسان لقوله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء: 29، وقوله جل شأنه (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) البقرة: 195، وقول النبي ﷺ فيما يرويه أبو سعيد الخدري t (لا ضَررَ ولا ضِرارَ) ويعدّه النووي من أهم نصوص السنة النبوية في الأربعين النووية.
- إن آيتين نزلتا في تحريم الخمر (المائدة: 90، 91)، فكان موقف الصحابة من هذا التحريم لما يشتهونه، يمثل أسمى ألوان الطاعة والاستجابة لأمر الله تعالى، فعندما بلغهم تحريم الخمر أراقوا ما عندهم منها في الطرقات، بل وحطموا الأواني التي كانت توضع فيها الخمر .أخرج البخاري عن أنس قال: كنت ساقي القوم فيث منزل أبي طلحة ، وكان خمرهم يومئذ الفضيح (أي: نقيع البسر) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي (ألا إن الخمر قد حرمت) قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقه. قال: فخرجت فهرقتها فجرت في سكك المدينة. هنا نهاهم الإسلام عما يؤذيهم ويضر عقولهم وأجسامهم، وجعل ذلك النهي نسكا عباديا يأثم فاعله.
- قارن هذا بما فعلته الولايات المتحدة عندما أصدرت تشريعا لحظر الخمر عام 1920 بعد ارتفاع في جرائم القتل والسرقة والعنف الممارس ضد المرأة والأطفال. وحال دخول القانون حيز التنفيذ، تسبب في نتائج كارثية على الاقتصاد الأمريكي؛ إذ أُجبرت مصانع المشروبات الكحولية على إتلاف منتجاتها وإغلاق أبوابها وتسريح العمّال؛ مما تسبب في تزايد نسبة البطالة. وبسبب غياب المشروبات الكحولية أفلست العديد من المطاعم الأمريكية وأغلقت أبوابها. وفي أثناء ذلك، شهدت الأنشطة الإجرامية ارتفاعًا مذهلًا، حيث زاد نشاط العصابات الإجرامية بكثير وتضاعف دخلها مئات المرات، هذا لأن نشاط العصابات كان محدودا في الدعارة والقمار والأعمال الإجرامية العادية، لكن بعد تحريم الخمر أصبح لهم نشاط رئيس مهم جدًا: تهريب الخمور! وفي سنة 1930 لم يتحمل المجتمع الخسائر، فعادت الخمور مباحة من جديد.
إن ديننا العظيم يأمرنا بكل جميل، وينهانا عن كل قبيح، وإن الأمل معقود في هذا الدين أن ينقل العالم من تلك المفازة البائسة إلى رحابة الإسلام وطهره ونظافته.
ألا إن دينكم عظيم، وأفلح من استطاع أن يدلّ الناس عليه ويعرّفهم به لتصح ابدانهم وعقولهم وحياتهم. ()