بشائر من القرآن (1)

بشائر من القرآن (1)

وما أكثر هؤلاء الذين يجترّون المآسي والآلام التي تنزل بالمسلمين، ويقولون لنا: لا تحاولوا ليس هناك أمل في عودة..

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد

كيف لأمة الإسلام أن تحزن وبين يديها هذه البشائر..

يا بشراها ..يا افلاحها …يا قرب نصرها ..يا دنوّ تحقق موعودها..

قد يظن البعض، وهم معذورون، أن هذا الكلام هو نوع من الهروب من الواقع الأليم..

وما أكثر هؤلاء الذين يجترّون المآسي والآلام التي تنزل بالمسلمين، ويقولون لنا: لا تحاولوا ليس هناك أمل في عودة..

وهناك صنف من المتدينين يرى أن الأسباب تعطلت تماما.. وأن الحل لا مجال له إلا أن تتدخل إرادة الله..

نعم ونعم ونعم… لا ملاذ لنا إلا بالعليّ الكبير، ولا فرار إلا إليه، ولا نصر إلا من عنده، ولا فرج إلا بيده، ولا انجلاء للشدة إلا بأمره (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) الأنعام: 63. (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الأنفال: 10.

إلا أن طريق الإسلام مرسومة معالمه، محددة أهدافه، واضحة غاياته، لازمة عقباته.

إنها دعوة الحق التي يتربص بها الجاحدون والظالمون منذ عهد النبي ﷺ وأصحابه.. يوم أن رمته العرب عن قوس واحدة، واتهموه بالسحر والكذب والجنون، وعذّبوا أصحابه في رمضاء مكة، وحشّدوا ضد دعوته حشود العرب في بدر وأحد والأحزاب.

ولا زالت الطريق هي الطريق.. وعلى جانبيها تكثر الأعداء وتتكاثر، وتحيك من المكائد والمؤامرات ما الله به عليم.

إلا أن منهج الإسلام يأبى على المسلم أن تنطوي نفسه على اليأس والقنوط مهما كانت الأسباب (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القومُ الكافرون) يوسف: 87

المنهج الذي جعل أحلك ساعات الظلمة هي التي تسبق الفجر الباسم (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) يوسف: 110

إن الفرج مع الكرب، والنصر مع الصبر، وإن مع العسر يسرا.

وفيما يلي نذكر بعضا من آيات الدستور الإلهي، القرآن الكريم، التي تبث في نفوسنا الأمل، وتبشرنا بعزة أهل الإسلام وانتصارهم على أعدائهم وعلوّ دينهم، وتدفعنا إلى العمل لهذا الدين من أجل الرفعة والتمكين.

الإسلام منتصر وظاهر على كل الأديان

يقول الله سبحانه في محكم التنزيل: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة: 32، 33. ويقول جل شأنه: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الصف: 8، 9.

يريد الكفار والمشركون في كل عصر أن يطمسوا أنوار القرآن، وأن يباعدوا بين هديه وبين العالمين، ولكن الله يبشر عباده المؤمنين أن ذلك غير كائن، وأن دين الحق منتصر على كل الملل والنِّحَل والأديان.

ونلاحظ في الآيات تكرار لفظة (كره) أربع مرات في دلالة على أن الكره للإسلام وأهله متأصل فيهم لا طارئ عليهم.

وتأمل قوله تعالى: (بأفواههم)؛ إذ ماذا تفعل تلك الأفواه المريضة الضعيفة أمام هذا النور الساطع. إن كل مكائدهم ومكرهم بهذا الدين وأهله في ميزان الله لا يتعدى جهد الأفواه في وجه الشمس الساطعة. إن أقصى ما يستطيعونه هو إخفات هذا الضوء لمدّة، كما يتعكر وجه القمر ببعض الغيوم. إن حججهم ضعيفة متهافتة، ومكرهم بائر لا محالة.

يقول الشيخ القرضاوي رحمه الله: والتعبير القرآني يسخر من هؤلاء حين يشبه محاولاتهم في إطفاء نور الإسلام، كالذي يحاول أن يطفئ الشمس بنفخة من فيه، كأنما يحسبها شمعة ضئيلة من شموع البشر.

وإنني كلما تأمّلت ذلك التعبير بفعل الإباء (ويأبى الله إلا أن يتم نوره)، والتعبير بالجملة الاسمية (والله متم نوره) أشعر (وحريّ بكل مسلم أن يشعر) بالثقة والطمأنينة في تحقق موعود الله بنصر دينه وظهوره الكامل على الكافرين.

ولقد رأينا ولا زلنا نرى آيات الله تتنزل، وكيف يحيق المكر السيء بمن مكر بالإسلام وأهله مكر السوء. لقد بذل الغرب جهودا مضنية في تغيير عقيدة المسلمين، وإنتاج دين جديد يهتم بالشكل والمظهر، ويفرّغ الإسلام من مضمونه العقدي والتشريعي، واشتدّت تلك الحملة عقب سقوط خلافة المسلمين (الدولة العثمانية) عام 1341 هـ، طمعا في القضاء على دولة الإسلام نهائيا. فقيّض الله لدينه وشرعه علماء أجلّاء ومصلحين فضلاء ومجاهدين أتقياء، فساروا بسيرة الإسلام في تلك العصور الحالكة حتى بلغت عصرنا هذا غير منقوصة.

واستطاع الأعداء أن يزرعوا أفكارهم وعملاءهم في البيئة الإسلامية من أجل توجيه الفكر بعيدا عن الإسلام، وصياغة الشخصية الإسلامية (الحداثية) التي لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا إلا بمقياس الهوى المنحرف عن الإسلام.

إلا أن نفرا من المخلصين من العلماء والمصلحين ولمجاهدين بذلوا جهودهم في غرس قيم الإسلام والاعتزاز بالانتماء إليه في نفوس أبناء الأمة وبناتها، فما كان من الأغلبية الكاسحة إلا أن عادت إلى دينها، وارتضته حكما في كل أمورها. وليس أدلّ على ذلك من الصراع الذي تعيشه الأمة اليوم بين أبناء الإسلام وحاملي لوائه من المصلحين، وبين وكلاء الاستعمار وعملاء الغرب من العلمانيين والعسكريين وأمثالهم. وهو صراع تحسمه تلك الآيات بالنصر للمؤمنين والظهور لأهل الدين، والذي نسأل الله أن يجعله قريبا.

ونختم كلامنا في هذه الحلقة بما قاله الحافظ ابن كثير في انتصارات المسلمين: (هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي أئمة الناس والولاة عليهم وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً منهم، وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر وإسكندرية وهو المقوقس وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة الذي تملَّك بعد أصحمة (رحمه الله وأكرمه)، ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الله له ما عنده من الكرامة، قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق، فلَّمَ شعث ما وهي بعد موته صلى الله عليه وسلم وأخذ جزيرة العرب ومهدها وبعث جيوش الإسلام إلى بلاد فارس صحبة خالد بن الوليد رضي الله عنه ففتحوا طرفاً منها وقتلوا خلقاً من أهلها، وجيشاً آخر صحبة أبي عبيدة رضي الله عنه ومن اتبعه من الأمراء إلى أرض الشام، وثالثاً صحبة عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى بلاد مصر، ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بصرى ودمشق ومخاليفهما من بلاد حوران وما والاها، وتوفاه الله عز وجل واختار له ما عنده من الكرامة، ومنَّ على أهل الإسلام بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق، فقام بالأمر بعده قياماً تاماً لم يدر الفلك بعد الأنبياء على مثله في قوة سيرته وكمال عدله، وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها وديار مصر إلى آخرها وأكثر إقليم فارس، وكسر كسرى وأهانه غاية الهوان وتقهقر إلى أقصى مملكته وقصر قيصر، وانتزع يده عن بلاد الشام وانحدر إلى القسطنطينية، وأنفق أموالهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله عليه من ربه أتم سلام وأزكى صلاة، ثم لما كانت الدولة العثمانية امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك الأندلس وقبرص، وبلاد القيروان وبلاد سبتة مما يلي البحر المحيط ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين، وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية، وفتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جداً، وخذل الله ملكهم الأعظم خاقان، وجبى الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن، ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها) فها نحن نتقلب فيما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله).

والله المستعان وعليه البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

()

مقالات اخري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

اخر المقالات

المعلق عليه